التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وسقط عملاق آخر






أذكر أول ما ذهبنا إلى بريطانيا لندرس في 2003 (يعني زمان أوي) كنا نرى محلات توماس كوك وإعلاناتهم ونقف خلف الزجاج (كطلاب علم لا طلاب سياحة J) ونشاهدها وقد امتلأت بالزبائن وخصوصاً كبار السن، وكنا نغبطهم ولسان حالنا يقول متى رح نتقاعد ، ونأتي هنا مثل هؤلاء ونحجز كل شيء في زيارة واحدة دون عناء ، أو كما كانت تقول الشركة , Don't just book it Thomas Cook it .

مرت السنين وبالأمس سقطت أقـدم شركة سياحية في العالم عن عمر يناهز 178 ، وتبخرت امبراطورية بدأت بخطوات بسيطة من الفتى توماس كوك بتنظيمه رحلات لزملاءه الطلبة. وصلت مبيعات الشركة السنوية 9 مليارات جنيه إسترليني و19 مليون عميل و 22000 موظف يعملون في 16 دولة!

صحيح أن هناك عوامل كثيرة أهمها الإدارة المالية والتي تمخضت في مفاوضات حتى آخر ليلة سقوطها المدوي ، لكن السبب الرئيسي في رأيي والذي يتكرر باستمرار مع هذه الشركات الكبيرة هو عدم قدرتها على التكيف مع الظروف الجديدة وبطئها في التغيير ، وكما قال خبير الطيران جون ستريكلاند أن جهود إعادة الهيكلة في الشركة جاءت متأخرة جداً وغير كافية too little too late ، وكابرت بالاستمرار في نموذجها التقليدي ، حيث كانت تشغل 600 محل (تخيلوا ) ! وكأنهم في عالم آخر، وما تغيروا إلا في 2017 بعمل تحالف مع موقع إكبسيدا! وقد لخص المشكلة أحد المدراء السابقين بقوله: "استمرت في نموذج عمل أنالوج في عالم ديجيتال".

لقد تغيرت الدنيا وأصبح الزبون مهتماً في تصميم رحلته الخاصة ومقارنة كل الخيارات وهو في بيته وليس بحاجة الى باكيج، والبناء على براند واسم تجاري ليس كافياً لأنه ارتبط في أذهان الزبائن النموذج القديم، فتبخرت القيمة السوقية بسرعة لأنها لم تستطع إعادة اختراع نفسها، كما فعلت الشركات الكبيرة الناجحة مثل أبل وأي بي إم.

وأخيراً وليس آخراً، لعب الحظ "السلبي" في تسريع عملية الإفلاس فالظروف والتوقيت وخصوصاً أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) لم تساعد فتأخر الطلب وسعر صرف العملات (دولار-جنيه استرليني) زاد الطين بلة.

قد يسأل سائل كيف لهذه الشركات الكبيرة ألا تتعلم الدرس ممن سبقوها، ببساطة نقول التغيير ليس تكنولوجي وحسب بل مرتبط بالإنسان وتغيير فكره وقناعاته ونمط عمله وهذا لا يمكن تنفيذها بجرة قلم!    


الطريف أن لغة الاعلان في القطار كانت تتغير حسب الوجهة، فرنسية ثم انجليزية ثم ألمانية وفي العودة انجليزية ثم فرنسية ثم ألمانية.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هالة التشات جي بي تي ChatGPT

  يتسابق الجميع في إدخال الذكاء الاصطناعي في عملياته ومنهم من ينتظر، وبعضهم يزعم استخدامه من أجل إظهاره تطوره وقدراته فتراه مثلاً يدخل Chatbot للتواصل مع العملاء وتتفاجأ أنه يستسلم من أول جولة ويحولك إلى الموظف، ثم جاء ChatGPT وأعطى الناس فكرة بسيطة عن الإمكانيات الحقيقية المذهلة للذكاء الاصطناعي في المستقبل، وما يدور خلف الكواليس في غرف شركات التكنولوجيا العملاقة.   لا شك أن بزوغ هذا النجم والحديث عنه في الإعلام بكثافة جعلنا نستمع لبعض من استخدمه ومدحه أو ذمه وقد جربته بنفسي قليلًا لأرى إمكانياته، ولا شك أنه مبهر للوهلة الأولى وربما هذا ما جعله حديث الناس حيث تلقفه الإعلام وكالعادة قام بتهويل إمكانياته وهذا ديدنهم (وطبعًا في بلادنا ممكن أكثر شوية لأنه طاسه وضايعه إلى حد ما) لكن بشكل عام الإنسان متعطش دائما بالفطرة لأي جديد ومثير (هكذا جُبل دماغنا)، والإعلام يجري خلف الأخبار التي تصدح لأنها بالمال تصدع، وقد أصبحت التكنولوجيا كغيرها من المواضيع يتحدث بها الناس في جلساتهم مثلها مثل كل شيء آخر وليست محصورة على المتخصصين وخصوصاً بعد وصول الانترنت والهاتف الذكي أيدي الجم...

تعلم على راحتك

من فترة جاءت برفيسور لندا هيل من هارفرد الى الكويت وكانت محاضرتها ليلاً ( يعني بدك تترك أولادك وبعد تعب الدوام واللي زي بنام  بدري فيها غلبة  كثير   ، وطبعا لازم تسجل وقصة) ، وكعادتي كتبت ملاحظات للاستفادة والإفادة من خلال مدونتي باقتباس تعليق أو جملة مفيدة أو مصدر مهم! لكني وجدت محاضرة لها على تيد  TED  شبيهة جداً بما قدمته لنا وها أنا أنشره لكم للفائدة ( هنا ) لأنها كانت محاضرة مميزة. رسالتي هنا ، أننا  حقاً محظوظون مقارنة بمن سبقونا ،  فنحن  نشهد وفرة كبيرة من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها دون تعب أو سفر ، خصوصاً مع توفر الكثير من المصادر المتاحة دون تكلفة أو تكلفة بسيطة ، من خلال الانترنت سواء القصيرة أو الطويلة الممنهجة مثل  coursera , edx, udemy, Khan Academy, TED talk, HBR , MIT opencourseware    وطبعاً الكتب الالكترونية المتوفرة الآن بطريقة خيالية لا نحتاج إلى سفر (ولا نوصي حد من الجامعة الاردنية وهو نازل على الجسر: كما كنا نفعل أيام الجامعة في آواخر التسعينتات)    ، الآن مباشرة من أمازون كندل ،...

تجربة استونيا التنموية

   شاركت في مسابقة رياضية وثقافية وسط صحراء الكويت، وكان أحد الأسئلة متعلق بالجغرافيا، حيث ظهر علم مخطط بالأزرق والأسود والأبيض اختاره طلاب جامعة تارتو في استونيا لجمعيتهم الطلابية ثم أصبح علم الدولة، ولا أدري كيف حزرتُ الإجابة حينها، ولم يخطر في بالي أني سأزورها في نفس العام، فهي دولة أوروبية شرقية، وغير معروفة بالسياحة أو أي عامل جذب غير السونا مثلها مثل فنلندا وجيرانها وليس في ذلك تمايز.  انطلقنا الأسبوع الماضي ضمن وفد رائع من خريجي مؤسسة القدومي المتميزة في دعم برامج بناء الإنسان الفلسطيني ورأس المال البشري. اجتمعنا بدعوة من المؤسسة رغم تشتتنا في بقاع الأرض ولقد  أحسنت إدارة المؤسسة باختيارها هذه الدولة لدراسة تجربتها والاستفادة منها، ف استونيا دولة تعداد سكانها أقل من مليون ونصف نسمة، مرت بفترات عصيبة واحتلال سويدي ودنماركي وألماني وروسي لسنوات ولكنها لم تنقرض وناضلت وسرعان ما تقدمت بمجرد أن تحررت، وقد تمكنت من مضاعفة دخلها القومي ثمانية أضعاف خلال ما يقارب عشرين سنة، بدعم غربي وهذه قصة بحاجة إلى تفصيل وتعليق منفصل في مناسبة أخرى.   هذه الدولة الصغيرة ...